كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد روى عروة عن عائشة، أن رجلا من المشركين لحق بالنبي يقاتل معه، فقال له: ارجع، أنا لا أستعين، بمشرك.
فعلل منع الاستعانة بالشرك.
قوله تعالى: {وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}: دليل على أن الصلاة تجب بادعائه إليها.
ونحوه قوله تعالى: {إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}:
يدل على أنه عليه الصلاة والسلام بلغ جميع ما أمر به، ولم يكتم من ذلك شيئا، لأن اللّه تعالى ضمن له العصمة، فلا يجوز أن يكون قد ترك شيئا مما أمره اللّه به، وفيه دليل على بطلان قول الروافض، أنه عليه الصلاة كتم شيئا مما أمر به وأوحي إليه، وكان بالناس حاجة إليه.
قوله تعالى: {يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} الآية.
وهذا يدل على أن البحث عن التوراة والإنجيل، يدل على أنه يدعو إلى معرفة نبينا صلّى اللّه عليه وسلم، وأن الدين الحق بيّن عن إقامة التوراة والإنجيل.
قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}: فيه دليل على جواز لعن الكافرين وإن كانوا من أولاد الأنبياء، وأن شرف النسب لا يمنع من إطلاق اللعن في حقهم.
قوله تعالى: {كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ}، الآية.
روى عبد اللّه بن مسعود أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان يلقى الرجل الرجل فيقول له:
يا هذا اتق اللّه ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب اللّه قلوب بعضهم ببعض ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}- إلى قوله- {فاتقون} ثم قال: كلا واللّه لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، أو ليضربن اللّه تعالى بقلوب بعضكم بعضا ثم ليلعنكم كما لعنهم.
وفي الآية دليل على النهي عن مجالسة المجرمين وأمر بهجرانهم، وأكد ذلك بقوله في الإنكار على اليهود: {تَرى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
والضمير في منهم راجع إلى اليهود، وقال آخرون هو راجع إلى أهل الكتاب على معاداة النبي عليه الصلاة والسلام ومحاربته، وأراد بالنبي موسى عليه السلام، أنهم غير مؤمنين إذا كانوا يتولون المشركين.
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}.
فيه دليل على أن العبد لا يمكنه أن يحرم على نفسه ما أحله اللّه تعالى له بعقده وقصده.
وروى ابن عباس، أن رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إني إذا أكلت اللحم انتشرت فحرمته على نفسي، فأنزل اللّه تعالى: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}.
وروى قتادة أن ناسا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، كانوا هموا بترك اللحم والنساء والإخصاء، فأنزل اللّه تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}.
وفيه دليل على أن ذلك منه لغو، وأبو حنيفة رأى أن ذلك صار محرما عليه، وأنه إذا تناوله لزمته الكفارة، وهو بعيد.
وعند عامة العلماء: إذا حرم جارية على نفسه، لزمته الكفارة بمجرد التحريم عند الشافعي، من غير حاجة إلى وطئها، وليس ذلك لأنه تناول محرما، فباين ذلك ما نحن فيه، فاعلمه.
ولو قدرنا تحريم الشيء عليه، فتناول المحرم لا يقتضي وجوب شيء عليه في الدنيا، مثل تناول الميتة والدم ولحم الخنزير.
قالوا: اليمين تعلقت الكفارة بها، لأنها تحرم المحلوف عليه، فوجبت الكفارة عند الحنث بتناول المحرم باليمين، ولا وجوب لها من قبل، ولكن هذا لا وجه له على تفصيل أصلهم، فإنهم قالوا:
لو حرم الطعام على نفسه حنث بأكل جزء منه.
ولو قال: واللّه لا آكل هذا الرغيف، لم يحنث بأكل بعضه، وقدروا فيه الشرط والجزاء وارتباط أحدهما بالآخر، مثل قوله: إن أكلت هذا الرغيف فعبدي حر، فلا يحنث بأكل البعض منه، وذلك يدل على أن الحنث ليس متعلقا بتناول المحرم، وإنما هو باعتبار مخالفة الشرط والجزاء، وهذا لا ريب فيه.
قوله تعالى: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ}، عقيب نهيه عن تحريم ما أحله اللّه تعالى.
قال ابن عباس: لما حرموا الطيبات من المأكل، حلفوا على ذلك، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، وأبان أن الحلف لا يحرم شيئا، وهو دليل الشافعي على أن التحريم لا يتعلق به تحريم الحلال، وأن تحريم الحلال لغو، كما أن تحليل الحرام لغو، كما لو قال استحللت شرب الخمر، فمقتضى الآية على هذا القول، ان اللّه تعالى جعل تحريم الحلال لغوا في أنه لا يحرم فقال: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ}.
أي تحريم الحلال فيما اشتملت عليه أيمانكم، ولكن لما سبق منكم من عقد اليمين، فأنتم مؤاخذون بما عقدتم من الأيمان، وتلك المؤاخذة كفارة إطعام مساكين، فهذا معنى الآية وهو صحيح.
فاللغو على هذا هو الذي لا يعتد به وهو تحريم الحلال.
وقال عطاء وقد سئل عن اللغو في اليمين فقال: قالت عائشة: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
هو كلام الرجل في بيته كلا واللّه وبلى واللّه.
وروى إبراهيم عن الأسود وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
لغو اليمين لا واللّه، بلى واللّه، موقوفا عليها، فعلى تفسير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهو الأصل، وعلى ما روى عن عائشة، معنى قوله: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ}، تقديره من أيمانكم، فكأنّ الأيمان منقسمة إلى ما يتعلق به مؤاخذة، وإلى ما لا يتعلق به مؤاخذة في معنى الكفارة، وهذا مذهب الشافعي في الأيمان المستقبلة.
وأبو حنيفة يرى تعليق الكفارة بالأيمان المستقبلة كلها، فمعنى قوله تعالى: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ}، يعني المؤاخذة في الأيمان على ما مضى. وإثبات المؤاخذة في الأيمان المستقبلة، غير أن اللّه تعالى قال في موضع آخر: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}، فأثبت المؤاخذة بما كسبت قلوبنا، وجعل اللغو يقتضي أن المكتسب بالقلب هو الذي يجرد القصد إليه، والماضي العمومي لا كفارة فيه عندهم، فاليمين عندهم منقسمة إلى الماضي والمستقبل، والمؤاخذة من حيث الاسم ثابتة في الماضي والمستقبل في بعض المواقع، فعلى هذا يقولون:
اللغو المذكور في هذه الصورة، أن يحلف على الماضي وهو غير المعقود عليه، ونقيضه المعقود عليه، وهو ما يعزم على فعله، وإنما يعرف عزمه بقوله: لأفعلن ولا أفعل، وفي الماضي لا يتصور عقد العزم على شيء.
واللغو المذكور في سورة البقرة، أن يحلف على الماضي ظانا أنه كذلك، ثم يتبين غلطه، فهذا لا إثم عليه فيه. وضده أن يحلف عامدا، فهو غموس تتعلق المؤاخذة به في الآخرة، فهذا معنى هذه الآية عندهم.
وقال بعض أهل العلم: اللغو أن يحلف على معصية أن يفعلها، فينبغي له ألا يفعلها ولا كفارة فيه، وروي فيه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها».
ولا شك أن الذي رآه الشافعي أولى، فإن اللّه تعالى ذكر اللغو في معرض إبراز العذر له، وجعل الكفارة في المعقود، والعقد ربط القلب بشيء وتجديد القصد إليه، فإذا كان كذلك، فينبغي أن يكون من يسقط الكفارة عنه، إنما يسقط تسبب نسيه أن يكون عذرا، تسقط به المؤاخذة في الدنيا والآخرة جميعا، وفي الغموس لا عذر لصاحبه، وإن سقطت الكفارة، فليس لأن الغموس تقتضي التخفيف وترك المؤاخذة، بل تقتضي ضد ذلك.
والذي حملهم على ذلك قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ}، فذكروا أن حفظ اليمين إنما يتصور في المستقبل، وهذا غلط، فإنه ليس حفظ اليمين الامتناع من الحنث، مع أن الحنث مأمور به في كثير من المواضع، وقد قال اللّه تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ}.
وإنما المراد به الامتناع من اليمين، فلا يحلف ما استطاع، ويحفظ لسانه عن اليمين مطلقا. فهذا معنى حفظ اليمين.
ويدل عليه أن اليمين قد يكون على فعل الغير، ولا يتأتى منه حفظ الغير، مثل قول القائل: لا تطلع الشمس غدا، ولا تمطر السماء غدا، أو لتمطرن السماء غدا، أو ليدخلن السلطان، إلى غير ذلك مما يعقد اليمين عليه، فعلم بطلان هذا القول.
ولا شك أن الحق متميز في مسند الشافعي رحمه اللّه تعالى في هذه المسألة عند من تأمل فحوى الكلام الدال على نصب اللغو سببا للتخفيف ونفي المؤاخذة، تارة مطلقا في الدارين، وتارة في حكم الكفارة، ولا ينبغي أن يحمل على محمل يقال إنه لا كفارة فيه مع تناهي الجريمة والوزر، وتناهي المؤاخذة عند اللّه تعالى، واقتضاء التسبب نهاية التغليظ، فكيف يجوز إطلاق نفي المؤاخذة بلفظ اللغو المشير إلى التخفيف في الموضع الذي يقول اللّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}.
أترون هذا من الذي يحسن أن يسمى باسم اللغو، الذي يقال فيه لا مؤاخذة في مثله.
وقوله عقدتم، قرئ بالتشديد، ومعناه عقد القول، وعقدتم بالتخفيف يحتمل العزيمة والقصد إلى اللفظ، وعقد اليمين قولا، وإنما العزم فيما يؤكده الإنسان بقصده وعقده، فيظهر للناس منه تأكيد القول وإظهار تحقيقه.
هذا هو معناه، ولا يتحقق ذلك في قوله لا واللّه وبلى واللّه في حق من يكون عازما عليه، وإنما يجرى في تضاعيف الكلام من غير ثبت وتحقيق.
وذكر إسماعيل بن إسحاق المالكي في كتابه المترجم بأحكام القرآن، في الرد على الشافعي، ما أذكره وأسوق كلامه وأبين جهده بكلام الشافعي، قال إسماعيل:
حكي عن الشافعي أن من حلف عامدا للكذب فقال: واللّه لقد كان كذا، وما كان، أو قال: واللّه ما كان، وقد كان، كفّر وقد أثم وأساء، حيث عقد الحلف باللّه باطلا.
فإن قال قائل: ما الحجة في أن يكفر وقد عقد الباطل؟ قيل: أقربهما قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه».
فقد أمره اللّه أن يعمد الحنث، يقول اللّه تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ} الآية، نزلت في رجل حلف لا ينفع أخاه، فأمره اللّه تعالى أن ينفعه.
وقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}، ثم جعل فيه الكفارة.
ومن حلف وهو يرى أنه صادق، ثم وجده كاذبا، فعليه الكفارة.
قال إسماعيل: فشبهه الشافعي بما لا يشبهه، لأن الذي أمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي بالذي هو خير وأن يكفر، إنما أمره أن يستأنف بعد اليمين شيئا كان حلف عليه ألا يفعله، ولم يكن الرجل كاذبا حين حلف، فجعلت كفارة يمينه إذا فعل ما حلف عليه ألا يفعله، ما ذكر في القرآن، والذي حلف على كذب بعد علمه، مخبر عن شيء مضى، كاذب فيه، حالف عليه، فكيف يشبه هذا بهذا؟